دروس نورمبرج
كانت محاكمات نومبرج، التي أجريت قبل 70 عاماً، هي الأولى في التاريخ الحديث التي يقرر فيها المنتصرون معاملة العدو الأوروبي المهزوم باعتباره مجرماً. وقد واجهت النيابة مشكلة خطيرة: فلم يكن هناك أي سلطة قانونية واضحة تقضي بأن بدء الحرب يعد جريمة بموجب القانون الدولي.
واليوم، غالباً ما نفكر في محاكمات نومبرج باعتبارها تدور حول الهولوكوست. لكن الواقع أن فريق النيابة، بقيادة قاضي المحكمة العليا في الولايات المتحدة «روبرت جاكسون»، وعضوية محامين من بريطانيا وفرنسا وروسيا، اعتبر أن جريمة ألمانيا كانت الاشتراك في «حرب عدوانية».
وكانت هناك مشكلات عديدة تتعلق بمعاملة الهولوكست كجريمة بحد ذاتها. ولم يكن حجم القتل برمته مفهوماً. ولم يكن أي من الحلفاء يريد أن يجعل الأمر يبدو وكأنهم ضحوا وخاضوا الحرب العالمية الثانية نيابة عن اليهود، الأمر الذي كان كاذباً على أي حال. ولم تكن هناك قاعدة واضحة للقانون الدولي تجعل التمييز بين المواطنين جريمة. وكان الفصل العنصري لا يزال دستورياً في الولايات المتحدة. وفي النهاية، فإن الطريقة التي يستطيع بها ممثلو النيابة تضمين جرائم ضد اليهود وغيرهم هي من خلال القول إن هذه الجرائم كانت ملحقة بجريمة الحرب العدوانية.
وأصبح «جاكسون» مسؤولا عن الشرح للمحكمة العسكرية الدولية كيف كان النازيون مذنبين بارتكاب جرائم بموجب القانون الدولي. كان جاكسون محامي محاكمات ماهر ونائب عام ناجح، حيث ترافع في قضايا إدارة فرانكلين روزفلت أمام المحكمة العليا.
لكن قضيته عانت من نقاط ضعف بارزة، فلم تكن هناك معاهدة للقانون الدولي تجعل البدء في الحرب جريمة، سواء أكانت حرباً عدوانية أو غير ذلك.
وفي خطابه الافتتاحي للمحاكمات، حاول جاكسون أولا التحايل على القضية من خلال الزعم بأن أعراف الدول تحظر الحرب العدوانية، الأمر الذي انعكس في الاجماع الدولي الناشئ تدريجياً. وكان الاستنتاج الذي خلص إليه هو أنه على الرغم من أن «رجال الدولة في العالم» كانوا «أقل وضوحاً مما نتمناه»، فإن «حقبة عشرينات القرن العشرين حظرت الحرب العدوانية».
وإدراكا لصعوبة موقفه، ألقى جاكسون مرافعة أخرى قال فيها للمحكمة إنه ربما يكون صحيحاً أن النازيين لم يرتكبوا جريمة تحت القانون الدولي القائم قبل الحرب، وإنهم لذلك يحاكمون الآن بموجب قانون جديد تماماً!
كان جاكسون لديه سبب واضح لأن تطبق المحكمة القانون على النازيين، حتى وإن كان قد تم وضعه خصيصاً لهذه المناسبة: فقد كان من الضروري محاكمة النازيين لتعزيز سيادة القانون. لقد قُتل أبرياء في معارك مع النازيين، وتلا ذلك، كما زعم جاكسون، أن القانون نفسه يمكن تعزيزه من خلال إعدام المذنبين مثل النازيين.
كان جاكسون يقول إنه، في أعقاب الحرب العالمية الثانية، كان القانون نفسه كأداة للحضارة على المحك. إذا لم يستخدم القانون لمحاكمة ومعاقبة النازييين، فإنه يكون معدوم الفائدة أساساً.
وقد قبلت المحكمة منطق جاكسون العملي، ولم يكن لديها رد أفضل للمشكلة الأساسية حول ما إذا كان القانون الحالي قد برر المحاكمات. وفي جوهرها، أصبحت نومبرج مقامرة على المدى الطويل حول ما إذا كانت سيادة القانون يمكن تعزيزها من خلال انتهاك المبدأ القانوني الأساسي الذي يقضي بأنه لا ينبغي معاقبة أي شخص دون أن ينتهك القواعد القانونية المعروفة.
«واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»